
الاحتلال يصعّد عدوانه على جنين وطولكرم وحماس تدعو لتصعيد المقاومة
فبراير 3, 2025
70 شهيدا فلسطينيًا بالضفة منذ بداية العام الجاري
فبراير 4, 2025د. محمد الصغير – رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
(1)
“جئتكم بقوم يحبون الموت.. كما تحبون الحياة”.
هذا ما جاء في رسالة خالد بن الوليد إلى ملوك فارس، وهذا تحديداً ما يجعل جذوة الجهاد في سبيل الله عصيّة على الانطفاء والانزواء، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.. إنه أيضاً ما يُبقي أعلام الجهاد ترفرف دائماً في سماء الإسلام لا تسقط أبداً.. ما أن تسقط في صقع إلا ويتلقفها قساورة الإسلام في صقع غيره: أن هناك رجالاً يحبون الموت والاستشهاد وما عند الله تعالى أكثر من هذه الدنيا الفانية؛ فقد أبصروا بقلوبهم الحقيقة التي لا يبصرها إلا الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين: أن ما عند الله خير وأبقى وأن الدنيا لا تعدل جناح بعوضة وأنها دار اختبار وبلاء وليست دار نعيم وبقاء، وأن لا خير في الحياة وديار الإسلام يحتلها شر مَن وطئ الأرض قتلة الأنبياء والنساء والأطفال.
لقد كانت معركة طوفان الأقصى أشبه بعملية استشهادية ضخمة جماعية، يعرف مَن اتخذ قرار بدئها من القادة الكبار في حماس وأصغر جندي شارك فيها (وهو ليس بصغير) أنه ذاهب إلى الله تعالى ليلقاه شهيداً مقبلاً غير مدبر، فلا يقول عاقل إن القادة المجاهدين الشهداء كانوا يظنون أن ما أقدموا عليه من فتح مبين يوم السابع من أكتوبر 2023 وما تلاه سيمر مرور الكرام، بعد أن قتلوا هذا العدد الضخم من الجيش الصهيوني وعملائه، وبعد أن أسروا عدداً غير مسبوق من المحتلين، ودمّروا آلياته فأصبحت الميركافاه فخر الصناعة الإسرائيلية أضحوكة وخبر تفجيرها على يد المجاهدين خبراً عاديا يومياً، وفضحوا جيش الاحتلال ودقوا أكبر مسمار في نعشه منذ ولادته لقيطاً. قطعاً كانوا يعلمون أن لصنيعهم ردة فعل كبيرة؛ بل كانوا على يقين أن المصير هو الشهادة، ومع ذلك أقدموا بكل شجاعة ورباطة جأش.
﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة: 52].
وكأن هذه الآية نزلت اليوم فيا لإعجاز القرآن! إن غاية ما حققه الصهاينة هو مراد الشهداء! فهم قد سعوا إلى الشهادة وحرصوا عليها، وكانوا يرونها نصراً مؤزراً، وهذا ما أوصلهم إليه الصهاينة بالفعل. أما المجاهدون؟ فقد أصابوا شعب بني صهيون بعذاب بأيديهم، فلم تمر عليهم أيام بهذه الصعوبة من قبل، ولن يعودوا أبداً إلى ما كانوا عليه، فطوفان الأقصى صدمة نفسية وعقدة لن تنمحي من صدورهم ودوماً سيراودهم في كوابيسهم. كيف لا وهم اليهود.. أشد الناس حرصاً على الحياة.. يفزعون عند الموت في المعركة ويرونه مصيبة فيتباكون ويصابون بالهلع ويفرون من البلاد.. وكأنها معركة تقابل فيها النقيضان، وشتان ما بينهما، ويا لها من هوّة ساحقة بينهما.. معركة لا يوجد فيها حلول وسطى، فإما أن تجاهد وتسعى أن تكون شهيداً بلا ذرة تعلق بهذه الفانية، أو تكون حريصاً على الدنيا محباً لها، فسطاطان لا ثالث لهما: حزب الله وحزب الشيطان.
فهنيئاً للقادة الشهداء.. الضيف وعيسى وسلامة وأبي طماعة وثابت وغيرهم، هنيئاً للشهيد الساجد وجميع الجنود المجهولين في الأرض المعروفين في السماء.. وكفى لهم شرفاً.
(2)
لا أحفل كثيراً بالأصوات الناعقة على حماس، أو مَن يخوضون في قادتها المجاهدين، لأن هؤلاء لا حياء لهم ولا كرامة، فهم لا يستنكفون من تكرار الشيء وضده، وغالب هؤلاء إما مأجورون أو موتورون، والقسم الأول: يؤدي عملاً نظير ما يتقاضاه من المال، ولا يمكنه التوقف عن عمله بحال. والثاني: يرى تضحيات حماس وبطولات رجالها كاشفة لما انطوت عليه نفسه من الخنوع للظلم واستمراء وقبول الضيم، فإن صاحب الأثمال المتسخة، تؤرقه رؤية أصحاب الذيول الطاهرة النظيفة.
- في فترة الإعداد لمباغتة الاحتلال في السابع من أكتوبر 2023..
كانت هذه الأبواق تردد أن حماس ركنت إلى الاحتلال، وتأقلمت على وجوده، وغرّها ما تحت يدها من السلطة، ورضيت بمكاسب بيع السولار وكنز الدولار، والتجارة في المؤن الغذائية.
ولما وثبت حماس على غلاف غزة، وصبّحت المحتلين في أسرّتهم، وساقت الأسرى وعادت بهم، وأظهرت نقاط ضعف الاحتلال فكانت كالغربال، عندها تبدلت النغمة إلى: لماذا أيقظتم المارد وألقيتم بأيديكم إلى التهلكة؟
واتَّجهوا مباشرة للتشكيك في قادة الخارج، بأنهم مع أولادهم في بحبوحة الفنادق، وقادة الداخل في مأمن مع أُسرهم داخل الخنادق، ولما كشفت الأيام أحابيلهم وأباطيلهم، واستشهد القادة وأولادهم وأحفادهم في مقدمة الصفوف، بلعوا ألسنتهم وانصرفوا لحياكة أحبولة جديدة، وحبك أمثولة حديثة.
ولو تغيّر اتجاه الكفيل، أو تمكّن المجاهدون من إكمال مشروع التحرير، لوجدت هؤلاء يكررون أهازيج حماس، ولأعلنوا أنهم أبناء أحمد ياسين. وما زالت المقاطع تشهد على نفاقهم وتلوّنهم، كما رأينا في أعقاب نجاح الربيع العربي، ونسمع الآن غير بعيد أصوات الشبّيحة الذين يريدون فرض وصايتهم على سوريا الجديدة !
لذا لا يعنيني كثيراً الردّ على صهاينة العرب، الذين يولولون على (هزيمة غزة)، ويرون تدمير مستشفاياتها ومدارسها انتصاراً لجيش الاحتلال، والحقيقة أن صهاينة العجم بشتى تخصصاتهم يعترفون بهزيمتهم في معركة طوفان الأقصى، واستقالات القادة العسكريين والوزاء مسبَّبة وتنصّ على ذلك، ولعل أقصر المشاهد التي تختصر القضية، أنه خلال فترة الحرب التي بلغت 471 يوماً غادر من الصهاينة إلى الخارج قرابة مليون فارٍ، وفي اليوم الأول لبدء سريان اتفاقية وقف إطلاق النار زحَف إلى شمال غزة قرابة مليون فلسطيني.
ويكفي أن ثبات أهل غزة طوال هذه الفترة، قضى على الشائعة المتكررة عن بيع الفلسطيني لأرضه وتفريضه فيها، لأن ما فعله الفلسطيني في غزة ليس له مثيل في تاريخ الأمم والشعوب، حيث خاض هذه الحرب الممتدة بصبر وبسالة، أمام جيش احترف حروب الإبادة، وتسانده بكل وسائل المساعدة الدول الكبرى في العالم، وعملاؤهم من الحكام الإقليميين.
أما نتيجة معركة غزة فهي نفس نتيجة معركة مؤتة..
وأوجه الشبه بينهما تكاد تصل درجة التطابق، فقد خرج ثلاثة آلاف من جيش المسلمين لأول مرة إلى خارج حدود الجزيرة العربية، حيث منطقة مؤتة التي تقع في الأردن الآن، وكان في انتظارهم جيش بلغ عدد جنوده مئتي ألف مقاتل، فاستشهد قادة المسلمين الثلاثة في الجولة الأولى:
- زيد بن حارثة
- وجعفر بن أبي طالب
- ثم عبدالله بن رواحة
وأخبر عندها النبي ﷺ أصحابه في المدينة باستشهاد القادة الثلاثة، وأن الراية أخذها سيف من سيوف الله يفتح الله على يديه، وبالفعل أخذها خالد بن الوليد سيف الله المسلول على أعدائه، واستطاع خالد بخبرته العسكرية وخطته الحربية، أن يجعل جيش العدو العرمم يقبل بوقف القتال، ولا يسعى لنشوب الحرب، ويرضى من الغنيمة بالإياب، فعل ذلك خالد دون أن يظهر على جيشه تقهقر أو انسحاب من ساعة المعركة، بل أقنع عدوه بأنه كامل الجاهزية.
وهنا يتفرع السؤال إلى قسمين:
الأول لمن يدينون بالإسلام: كيف لا نقول انتصر خالد، وقد سمى رسول الله ﷺ فعله فتحاً ونعته بسيف الله، وظل كذلك فما عرفت له ثلمة، ولا أصابته نبوة؟!
وسؤال القسم الثاني للمحللين والمتخصين: كيف تفسرون إحجام جيش قوامه مئتي ألف، عن خوض الجولة الثانية من المعركة أمام جيش عدده ثلاثة آلاف؟
وهذا يأخذنا إلى موقعة غزة..
التي فقدت فيها العديد من قادتها في 14 شهراً، وبقي أهلها لم يبرحوا أمكانهم، وعجزت جيوش العالم وأجهزتها الحديثة عن تحرير الأسرى، إلا بشروط حماس التي أعلنت عنها من اليوم الأول، ورجع الجيش العرمم ومن معه من حلفاء البغي، تلعنهم وجوه الأرض ويطاردهم شبح الاستقالات والإخفاقات، وتنتظرهم المحاكمات.
وأختم من مشهد الختام… الذي خرج فيه جنود القسام وهم في كامل اللياقة والأناقة، بادية عليهم ملامح العزة، وقد احتفى بهم أهل غزة -ورجعت ريما لأقوالها القديمة- فقالوا: أين كان هؤلاء الأشداء المهندمون؟ ولو غاب القساميون عن المشهد لقالوا: خلاص انتهت حماس !
لقد رأينا حماس في اليوم التالي للحرب، لا تقلّ عن اليوم الأول، وأنها بعد مؤتة ستتهيأ لما هو أكبر، كما حدث مع صحابة النبي الأكرم ﷺ.