الأمهات المباركات الطاهرات
فبراير 19, 2024حقوق الحيوان في سُنة الرسول ﷺ
فبراير 19, 2024إن الله عز وجل قد اطلع على قلوب العباد فوجد قلب محمد ﷺ خير قلوب العباد فاختاره لرسالته، ثم اطلع على قلوب العباد بعد قلب محمد ﷺ فاختار له أصحاباً وأزواجاً وأنصاراً؛ وقد قال سبحانه في مدح أولئك الأزواج رضوان الله عليهن: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء}.
وخصهنّ جل جلاله بأحكام ليست لغيرهنّ من النساء، وإنّ واجباً على كل مسلم أن يتخذ منهنّ قدوة وأسوة؛ لما كان منهن من جميل الخِلال وعظيم الخصال؛ وها هنا أنبه على جملة من الصفات الرضيّة التي كانت منهن مقرونة بما يدل عليها من أحوالهن ومواقفهن رضوان الله عليهن.
أولاً: الولاء والبراء
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب؛ لما جاء أبوها إلى النبي ﷺ ليؤكد عقد الهدنة، دخل عليها، فمنعته أن يجلس على فراش رسول الله ﷺ؛ فلما سألها: أيْ بُنية! أرغبتِ بي عنه أم رغبت به عني؟ فقالت له “هذا فراش رسول الله ﷺ وإنك امرؤ مشرك”. فخرج من عندها قائلاً: “لقد أصابك بعدي شر!”.
ثانياً: الطاعة المطلقة لرسول الله ﷺ
هذه أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة رضي الله عنها تسمع قول رسول الله ﷺ “ما من امرئ مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها. إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها”.
فتقول حين يموت زوجها: ومن يكون خيراً من أبي سلمة؟ ثم قالت ذلك الذِكر امتثالاً للأمر النبوي فعوضها الله خيراً من أبي سلمة؛ حيث خطبها رسول الله ﷺ وتزوجها.
تقول رضي الله عنها: قلت لأبي سلمة بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها، وهو من أهل الجنة، ثم لم تُزوج، إلا جمع الله بينهما في الجنة، فتعال أعاهدك ألا تزوج بعدي، ولا أتزوج بعدك. قال: أتطيعينني؟ قالت: نعم. قال: إذا مت تزوجي، اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني، لا يحزنها ولا يؤذيها. فلما مات، قلت: من خير من أبي سلمة؟ فما لبثت، وجاء رسول الله ﷺ فقام على الباب فذكر الخِطبة إلى ابن أخيها، أو ابنها. فقالت: أرد على رسول الله، أو أتقدم عليه بعيالي. ثم جاء الغد، فخطب.
ثالثاً: تبليغ العلم
حيث أجرى الله للأمة على أيديهن خيراً كثيراً؛ فروين عن رسول الله ﷺ علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه؛ من ذلك ما رواه ابن عباس، عن جويرية، قالت: أتى عليّ رسول الله ﷺ غدوةً وأنا أسبّح، ثم انطلق لحاجته، ثم رجع قريباً من نصف النهار، فقال: “أما زلت قاعدةً؟”. قلت: نعم. قال: “ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن، أو وزن بهن وزنتهن -يعني: جميع ما سبحت-: سبحان الله عدد خلقه – ثلاث مرات – سبحان الله زنة عرشه – ثلاث مرات – سبحان الله رضا نفسه – ثلاث مرات – سبحان الله مداد كلماته – ثلاث مرات”.
وعن مسروق، قال: قلنا له: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد ﷺ الأكابر يسألونها عن الفرائض.
وعن هشام أن أباه عروة كان يقول لعائشة: “يا أمتاه! لا أعجب من فقهك، أقول زوجة نبي الله، وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو، ومن أين هو، أو ما هو؟!”. قال: فضربت على منكبه، وقالت: “أي عرية، إن رسول الله ﷺ كان يسقم عند آخر عمره – [أو في آخر عمره] – وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له، فمن ثم”.
وقال الزهري: “لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل”.
رابعاً: من خلالهن عرفنا مكانة المرأة في الإسلام
وذلك من خلال ما ثبت في السنة؛ حيث أتى جبريل النبي ﷺ فقال: “هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب”. متفق على صحته.
وقد قال رسول الله ﷺ: “خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران”.
خامساً: كن مثالاً في النفقة في سبيل الله
عن برزة بنت رافع، قالت: أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بعطائها، فقالت: غفر الله لعمر، غيري كان أقوى على قسم هذا. قالوا: كله لك. قالت: سبحان الله! واستترت منه بثوب، وقالت: صبوه، واطرحوا عليه ثوباً. وأخذت تفرقه في رحمها، وأيتامها؛ وأعطتني ما بقي؛ فوجدناه خمسةً وثمانين درهماً. ثم رفعت يدها إلى السماء، فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا.
وكانت صناع اليد، فكانت تدبغ، وتخرز، وتتصدق. كانت صالحةً، صوامةً، قوامةً، بارةً، ويقال لها: أم المساكين.
وبلغ من حرصها على الصدقة رضي الله عنها أن قالت حين حضرتها الوفاة: إني قد أعددت كفني؛ فإن بعث لي عمر بكفن، فتصدقوا بأحدهما؛ وإن استطعتم إذ أدليتموني أن تصدقوا بحقوتي، فافعلوا.
أما عائشة رضي الله عنها فقد كانت نسيج وحدها في هذا الباب؛ حتى إن معاوية رضي الله عنه بعث مرةً إليها بمائة ألف درهم، فوالله ما أمست حتى فرقتها. فقالت لها مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحماً؟ فقالت: ألا قلت لي؟
عن ابن المنكدر، عن أم ذرة، قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس. فلما أمست، قالت: هاتي يا جارية فطوري. فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري لنا لحماً بدرهم؟ قالت: لا تعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت.
وعن عروة، عن عائشة: أنها تصدقت بسبعين ألفاً؛ وإنها لترقع جانب درعها رضي الله عنها.
سادساً: أما صلة الرحم فهن الأسوة والقدوة
قال أبو عمر بن عبد البر: روينا أن جاريةً لصفية أتت عمر بن الخطاب، فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود. فبعث عمر يسألها، فقالت: “أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة؛ وأما اليهود، فإن لي فيهم رحماً، فأنا أصلها”. ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان. قالت: فاذهبي، فأنت حرة. قال الذهبي رحمه الله تعالى: وقبرها بالبقيع. وقد أوصت بثلثها لأخ لها يهودي، وكان ثلاثين ألفاً.
سابعاً: الفخر بما يستحق أن يفخر المرء به
فلم يكن فخرهن بنسب ولا مال ولا جمال؛ بل كان بقربهن من رسول الله ﷺ وطاعتهن لله، وما خصهن به من منزلة؛ فعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: “لقد أُعطيتُ تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله ﷺ أن يتزوجني، ولقد تزوجني بِكراً، وما تزوج بكراً غيري، ولقد قُبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة ببيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبةً عند طيب، ولقد وُعدت مغفرةً ورزقاً كريماً”.
ثامناً: الواقعية
فلم تكن حياتهن مع رسول الله ﷺ قائمة على المثالية المطلقة؛ بل هي حياة واقعية يكون فيها ما يكون في حياة البشر من اتفاق واختلاف وقرب وبعد؛ فعن النعمان بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي ﷺ فإذا عائشة ترفع صوتها عليه، فقال: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله ﷺ؟ فحال النبي ﷺ بينه وبينها. ثم خرج أبو بكر، فجعل النبي ﷺ يترضاها، وقال: “ألم تريني حلت بين الرجل وبينك؟”. ثم استأذن أبو بكر مرةً أخرى، فسمع تضاحكهما، فقال: “أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في حربكما”. [أخرجه: أبو داود، والنسائي]
وتقول رضي الله عنها: أتاني رسول الله ﷺ في غير يومي يطلب مني ضجعاً، فدق، فسمعت الدق، ثم خرجت، ففتحت له. فقال: (ما كنت تسمعين الدق؟). قلت: بلى، ولكنني أحببت أن يعلم النساء أنك أتيتني في غير يومي.
وقد روى هشام بن عروة: عن أبيه، عن عائشة، قالت: سابقني النبي ﷺ فسبقته ما شاء، حتى إذا رهقني اللحم سابقني، فسبقني، فقال: “يا عائشة، هذه بتلك”.
تاسعاً: كانت حياة زوجية قائمة على الحب
فقد سأل عمرو بن العاص رضي الله عنه النبي ﷺ: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: “عائشة”. قال: فمن الرجال؟ قال: “أبوها”. قال الذهبي رحمه الله تعالى: وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه السلام ليحب إلا طيباً.
قال حماد بن زيد: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. قالت: “فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة فقلن لها إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول الله ﷺ يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان”. فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت، فلم يرد عليها، فعادت الثانية، فلم يرد عليها. فلما كانت الثالثة، قال: “يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها”. [متفق على صحته].