
من ثمرات الطوفان (4)
مارس 10, 2025
زيارة الشيخ عبدالرحيم مكارثي لقناة الاستقامة الفضائية
مارس 10, 2025د. حسين عبد العال- عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
كان رمضان يأتينا دائمًا برتابة اعتدنا عليها، نعم.. كنا وما زلنا نحبه، نحب طلعته البهية علينا كل عام، نحب صلاته وصيامه وقيامه وتهجده وصلته وقربه وصدقته وذكر الله فيه، والدعاء وما أدراك ما الدعاء! لكنه هذا العام ومع حبنا لذلك كله فقد جاءنا بصورة جميلة، فقد حببنا في الجهاد والاستشهاد والمدافعة لأعداء الله تعالى، كما شوّقنا للانتصارات والفتوحات العظيمة.
أليس في رمضان كان أعظم نصر للمسلمين؟ وأول معركة فرق الله بها بين الحق والباطل وسُميت بيوم الفرقان؟ ثم أليس في رمضان كان فتح مكة والسيطرة على أرض الجزيرة، وبعدها جاءت الوفود تترا مذعنةً للنبي ﷺ وقد دخلت في دين الله أفواجًا؟
إنه رمضان بطبيعته الجهادية، هو الشهر الذي ينير بالقرآن وبالصيام وبالقيام وبالجهاد، شهر الانتصار على النفس، وعلى الشيطان، وعلى الشهوات، وعلى الأعداء كذلك، وقد كان المسلمون يسمونه شهر الانتصارات والفتوحات، والذي حدثت فيه جل المعارك المهمة في تاريخ المسلمين، ها نحن تعود لنا مثل هذه الروح الجميلة في رمضان هذا العام، أصبحنا ننظر إلى خيل المعتصم البلق مسرجة تريد الانطلاق لمعركة تحرير الأسرى، ونرى ملك الروم يهذي من وقع الألم الشديد الذي ألمّ به وبحليفه من جراء الهزيمة الثقيلة التي مُني بها، ونرى سريان روح التحدي حتى عند مَن يظنّ الناس بهم أنهم عصاة من شباب أمتنا العظيمة، فمرحى بك وأهلًا أيها الشهر العظيم الكريم!
انتصارات المسلمين وانكسارات العدو
نحمد الله تعالى أن عشنا حتى قرت أعيننا بانتصارات إخواننا المسلمين في بقاع كثيرة من الأرض، فبالأمس أفغانستان الحبيبة، ثم غزة الصغيرة الضعيفة قليلة الحيلة، ثم سوريا والتي جاءها النصر من عند الله تعالى على غير ميعاد، وغدًا بإذن الله نرى نصر السودان وغيرها من البلدان.
وأهم هذه الانتصارات هو نصر غزة العزة، غزة هاشم، فلولا أن الأنبياء خُتموا بمحمد ﷺ لقلنا إن يوم السابع من أكتوبر كان معجزةً، وهي حقًا من أعظم كرامات هذه الثلة المؤمنة التي قادت وخططت ونفذت المعركة، لأنك عندما ترى ضعيفًا محاصرًا لا عتاد له ولا عدة، ينتصر على غريمه الذي يتباهى بقوته وعتاده، فوالله إنها لكرامة وأي كرامة! بل وعندما يصمد الضعيف مقاتلًا خمسة عشر شهرًا وفي كل يوم ينتصر ويقتل من عدوه، والله إنها لكرامة، وعندما يقارع أقوى قوة على وجه الأرض بل قوى الأرض مجتمعة عليها فيهزمهم جميعًا، والله إنها لكرامة، وعندما يفقد في المعركة أكثر من سبعة من الصف الأول من قياداته ولا يتأثر بل يواصل معركته بنجاح، والله إنها لكرامة، وعندما يعلن للعدو مهددًا بأنه سيوقف الإفراجات عن الأسرى حتى تُنفذ الشروط التي أبرمت، ويستجيب العدو مرغمًا، ويظهر المقاوم بمظهر القوي لا الضعيف، فوالله إنها لكرامة، وعندما يستهزئ بتصريحات زعيم البيت الأبيض ويصرح بأنها كالعدم بالنسبة له، فوالله إنها لكرامة، وعندما يشهد له العدو بحسن خلقه ورقي معاملاته لأسراه وشجاعته وبأسه بل ويعترف له إنه انتصر، فوالله إذن إنها لكرامة وأي كرامة!
العدو ومحاولة صناعة نصر مزعوم
تعوّد العدو الصهيوني دائمًا أن يظهر لنا أنه الأقوى والمنتصر دائمًا وأنه صاحب الجيش الذي لا يُقهَر، ويُصَدِّرُ ذلك لنا ولشعبه أيضًا بل وللعالم كله، ولذلك هو لا يحب ولا يريد أن يقال له: أنت مهزوم. وإن شعر الناس بهزيمته سارع أن يختلق نصرًا مزعومًا حتى يحافظ به على صورته، فلما هُزم في السابع من أكتوبر وعلم أن أحدًا لن يصدقه هذه المرة، حاول أن يدخل غزة وأن يحدث ما بها من دمار، فلم يصدقه الناس وظلوا يصمونه بالمهزوم ومجرم الحرب، فسارع إلى لبنان ليحدث نصرًا وهميًا، ولكن غزة كانت في انتظاره بعدها لتلحق به أشد هزيمة، وترغمه على الرضوخ لشروطها، كل هذا وهو يحاول صنع نصر فلم يستطع، لأن غزة هزمته عسكريًا وسياسيًا وأمنيًا وإعلاميًا وتقنيًا وخلقيًا واستراتيجيًا ولم تجعل له كما يقولون: (جنبًا ينام عليه)، وما يزال يبحث عن نصر موهوم يسند إليه ظهره، ويصدره لشعبه ليحافظ به على حكومته.
دور ترامب في صناعة النصر المزعوم
جاء ترامب لسُدة الحكم في البيت الأبيض بالمال الفاسد من الصهاينة، فهم الذين موّلوا حملته وأغدقوا عليه كي ينتصر على غريمه، وليس ذلك لسواد عيونه ولا حبًا فيه، بل أملًا في أن يصنع لهم شيئًا من أحلامهم الواهية، وبالفعل قد وعدهم بالكثير، فلما دخل البيت الأبيض سارع رئيس وزراء الكيان إليه ليبيض له وجهه الذي تلطخ بالسواد، وبدا منتشيًا وهو يسمع منه عبارات التهديد والوعيد، فقد أرغد الوغد وأزبد، وزعم أنه بنظرة واحدة أو إشارة من أصبعه الخنصر يستطيع إخراج شعب عريق من أرضه ليشرده عبر العالم شرقًا وغربًا، ورئيس وزراء الكيان يعلم أن هذا هذيان وضرب من الخيال، لكنه سيستفيد منه في صناعة النصر المزعوم ليرضي غروره كنشوة السكران، ولكن سرعان ما استفاق بصفعة قوية على قفاه، إذ ردت عليهما المقاومة بكل صرامة، وكتبت لهما ردها على منصات التسليم: “لا هجرة إلا للقدس”.
فبُهت عدو الله ترامب وهو مشدوه بعدما راحت تصريحاته سدى.
موقف حكام العرب
جاء حُكام العرب بمحاولة فاشلة ليساعدوا في النصر المزعوم، وألفوا مسرحية وأخرجوها بصورة باهتة، ووضعوا لها أبطالًا مزيفين لا يحسنون حتى التمثيل، فظهروا في صورة الأبطال وهم يصرخون: لا للتهجير، ونعم لحقوق الشعب الفلسطيني… إلى آخر التصريحات العنترية، والمشكلة أن القائمين على التمثيلية يصورون لنا وكأن الأبطال برفضهم للتهجير قد انتصروا في حطين أو عين جالوت أو اليرموك!
والمشكلة الأكبر منها أن بعض الإسلاميين وصلت بهم الثقة في هؤلاء أنهم أصبحوا حماة الدار، وأنهم بين عشية وضحاها صاروا من أولياء الله الصالحين، وأنهم يستحيل رجوعهم عن قرارهم، ولا نرى هذا إلا طيبة مفرطة قد تصل لحد السذاجة، بل وصل الأمر من البعض أنه يُخَوِّنُ مَن لا يتوافق مع رأيه ذاك.
لكن أين يكمن الخطر؟
يكمن في كون حكوماتنا اليوم لا ترفض قرار ترامب، لكنها تريد أن تطوعه، لتنفذه بصورة جديدة، فهم يضعون خطة بديلة، ومهما كانت الخطة فهي إذعان من نوع خاص، يريدون به إرضاء حامي الحمى، وللعلم هو لا يرضى إلا بما فيه مفسدة عظيمة لأهل غزة، ومنفعة عظمى للعدو المجرم، وساعتها سيخرجون علينا بأن أهل غزة هم المتعنتون وهم الظلمة وهم الطغاة لأنهم لم يقبلوا حل الملهم والمحدث وسليمان العصر.
ثم لو كانوا أبطالًا حقًا وكان هم القضية في قلوبهم، فلماذا لم يصرحوا علانية بأن غزة لأهلها ولا يحق لأحد أن يتدخل في شئونهم الداخلية، وأننا ندعم قرارهم ونقف بجوارهم؟!
لماذا نحن الذين نضع لهم خطة (مهما كانت الخطة) ترضي عدوهم قبل أن ترضيهم؟
ثم لماذا نُهَوِّنُ من نصر أهل غزة؟ ونقف مع العدو لنصنع له نصرًا مزعومًا، ونضع أنفسنا في موقف محرج جدًا لأن أهل غزة سيرفضون أي مقترح فيه المساس بحقهم وسيادتهم على أرضهم، وسيرفضون أي خطة فيها وضع سلاحهم فضلًا عن انتزاعه، فما الداعي أن نحرج أنفسنا؟
ثم تعالوا معي من سيضع الخطة ومن يناقشها؟ أليسوا هم الذين حاصروا غزة ومنعوا عنها الدواء والغذاء والكساء؟! أليسوا هم الذين صنفوا المقاومة الإسلامية إرهابية (وما زالوا على رأيهم) لأنها تدافع عن أرضها وعرضها؟! أليسوا هم الذين خانوا بلادهم من قبل؟ أوَ تظنون أنهم لن يخونوا أهل غزة؟!
ونأتي للسؤال المهم: هل رفض التهجير بطولة؟ أقول: لا وألف لا.
رفض التهجير هو أدنى ما يمكن فعله (إن صدق الزاعم)، ولا يصح قبوله لا شرعًا ولا عقلًا ولا خلقًا ولا مروءة، وقبوله هو الخيانة بعينها.
أما البطولة حقًا فهي أن نفتح الحدود ولا نحاصر إخواننا، وهي أن نسمح لكل مجاهد بطل أن يدخل ليقف مع إخوانه، وهي أن نلغي اتفاقات العار والشنار، ونعلن استعدادنا لتحرير أرض فلسطين والمسجد الأقصى.
الأمة الإسلامية في رمضان
تواجه أمتنا في رمضان من هذا العام تحديًا غير مسبوق، فلقد أُلقيت الكرة في ملعبها، ووضع لها عدوها فرصة ذهبية لكي تعود أمة واحدة، وأن تستجمع قواها، وأن تعرف ما هو هدفها الصحيح، وأن تعرف كيف تعامل عدوها، بل وأن تعرف مواطن قوتها وعزتها، وأن تعي أن عدوها يرتعد منها لو كانت أمة واحدة، وأن تشرذمها وخلافاتها وسوء حكامها هو سبب ضعفها ونكستها.
فهل آن الأوان لها أن تستفيق، وأن تتخلص من نقاط ضعفها، وتتهيأ للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة عودة الإسلام شاء من شاء وأبى من أبى، وهذه المرحلة لا مكان فيها إلا للأقوياء الأتقياء، وأما الجبابرة فإلى مزبلة روسيا أو مزبلة الإمارات.
أمتنا الحرة الأبية، ها قد جاء رمضان، فجددي التوبة لله تعالى، واعلمي أن الإيمان يحتم علينا أن نحكم بأمر الله، وكما كُتِبَ علينا الصيام فقد كُتِبَ علينا القتال، وإن كان شهر رمضان قد أنزل فيه القرآن فقد فرض فيه الجهاد، وإن كان القرآن قد أوجب علينا تعظيم الكعبة المشرفة فقد أوجب أيضًا تعظيم المسجد الأقصى، وأنه لا عظمة لنا إلا بتعظيم شعائر الله تعالى.
أمتنا المباركة أزيلي كل العوائق التي تعيق نصرك وعزتك ووحدتك، وأولها أولئك الطواغيت الجاثمين على كراسي البلاد وصدور العباد، فهؤلاء ليسوا أهلًا لنصر ولا لتمكين، ولن يأتيك النصر ولا التمكين إلا بقادة مجاهدين يؤثرون الآخرة على الأولى، ويوالون أولياء الله ويعادون أعداء الله تعالى، فلقد فُتحت القدس في عهد عمر، وعادت في عهد صلاح الدين، وكلاهما يستحق شرف الفتح أو شرف التحرير، وليس في طواغيت اليوم من يستحق هذا الشرف، فكوني أمتنا في رمضان على أمل التغيير، وعساه أن يكون قريبًا.