
غزة والفتح الإسلامي
فبراير 21, 2025
كيف وُلِد قطاع غزة؟
فبراير 21, 2025الأستاذ مصطفى الدباغ – رحمه الله*
الإمام الشافعي: هو الإمام عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي، يجتمع مع رسول الله ﷺ في عبد مناف. وإدريس والد الشافعي كان قد أتى إلى غزة واتخذها مقراً له ومات فيها، وأما أمه فالمشهور أنها يمانية من الأزد، كانت من أذكى البشر.
وُلد الشافعي بغزة، بالعام الذي تُوفي فيه الإمام أبو حنيفة النعمان، ويقال إن مكان ولادته كان في البقعة المعروفة اليوم باسم (الشيخ عطية) في حي الزيتون.
حمل من غزة إلى مكة وهو ابن سنتين. وفيها حَفظ القرآن وله من العمر تسع سنين، وكان في أول أمره يطلب الشعر والأدب، ثم أخذ في دراسة الفقه فنبغ فيه وبرز. ورأى أن رياسة الفقه في المدينة المنورة قد انتهت إلى الإمام مالك فارتحل إليه وأخذ عنه. وتوجه إلى الكوفة عاصمة المذهب الحنفي فأخذ فيها عن تلاميذ أبي حنيفة.
خرج الشافعي من الكوفة وطاف في العراق وفارس وغيرها، وبعد أن اتصل بعلماء هذه الأقطار عاد إلى الحجاز، ثم تنقلت به الأحوال فرحل إلى اليمن وبغداد حيث أقام بها مدة، وفي عام 199 قصد مصر وأقام بها يُدرّس ويؤلف، إلى أن توفي عام 204هـ ودُفن بالقرافة الصغرى، ومقامه في القاهرة مشهور.
وكان موضع دفنه ساحة، حتى عمّر تلك الأماكن السلطان صلاح الدين يوسف، ثم أنشأ الملك الكامل محمد القبة على ضريحه.
ويروى له بذكر موطنه في غزة قوله:
وإني لمشتاق إلى أرض غزة ** وإن خانني بعد التفرّق كتماني
سقى الله أرضاً لو ظفرت بتربها ** كحلت به من شدة الشوق أجفاني
كان الشافعي ذكياً مفرطاً، برع في اللغة والشعر وأيام العرب، كما برع في الفقه والحديث. قال الإمام أحمد بن حنبل: “ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا للشافعي في رقبته مِنة”.
ولقد كان الشافعي إلى كماله العلمي كامل الأخلاق، لا يعنيه إلا الوصول إلى الحق أكان هو الظافر أم خصمه، ولعل التاريخ لم يسجل لأحد من العظماء من عزة النفس وإبائها ما سجله للشافعي.
وله مؤلفات كثيرة، منها: كتابه: الأم. وهو كتاب ضخم طُبع في سبعة مجلدات، و(المسند) في الحديث وغيرها.
والمذهب الشافعي أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنة، وهو منتشر في مختلف الأقطار الإسلامية، وعلى كل فكفى غزة فخراً أنها أنجبت مثل هذا الإمام العظيم، رضي الله عنه.
وعرفنا من أولاده محمد، وأبو عثمان.
وقد ولي قضاء الجزيرة وحُمدت هناك سيرته، وسمع من أبيه ومن أحمد بن حنبل ومن غيرهما.
واشتهر أيضاً من غزة في تلك الحقبة:
- الحسن بن الفرج الغزي: فقيه وراوية من رواة القرن الثامن للهجرة.
- أبو عبد الله محمد بن عمرو بن الجراح الغزي: من رواة الحديث وفقهاء القرن الثالث للهجرة.
- أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف الغزي: عالم فقيه. توفي عام 372هـ.
- محمد بن الحسن بن علي الغزي، المعروف بابن الترجمان: كان شيخاً للصوفية في مصر. توفي عام 448هـ.
- إبراهيم بن عثمان الكلبي الأشهبي الغزي، أبو إسحاق: 5441-524هـ / 1049-1130م، وُلد في غزة، ويُعد من مشاهير من أنجبتهم هذه البلدة؛ فهو شاعر مجيد، يضرب المثل بجودة شعره. رحل رحلة طويلة إلى الشام والعراق وخراسان وانتشر شعره هناك.
ذكره الحافظ الذهبي بقوله: “شاعر العصر، وحامل لواء القريض”. وأخيراً تُوفي في الطريق بين (مرو) و(بلخ) ودُفن في الثانية. ونُقل عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة: “أرجو أن يغفر الله لي لثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي، وأني شيخ كبير، وأني غريب”. له ديوان شعري في نحو 5000 بيت، ومن شعره:
قالوا هجرتَ الشعرَ قلتُ ضرورة ** بابُ البواعثِ والدواعي مغلقُ
خَلتِ البلاد فلا كريم يُرتجَى ** منه النوالُ ولا مليح يُعشقُ
ومن العجائب أنه لا يُشترى ** ويُخان فيه مع الكساد ويُسرقُ
ومن كلامه أيضاً:
إنما هذه الحياة متاع ** والغبي الغبي مَن يَصطفيها
ما مضى فات والمؤمَّل غيب ** فخُذِ الساعةَ التي أنتَ فيها
وغيرهم.
وممن ذَكر غزة في القرون الأربعة الأولى لدخولها في الحكم العربي والإسلامي من جغرافيي العرب:
- الإصطخري: المتوفى في نحو 346هـ – 957م، قال: “آخر مدن فلسطين مما يلي جِفار مصر مدينة يقال لها غزة، بها قبر هاشم بن عبد مناف، وبها مولد محمد بن إدريس الشافعي، وفيها أيسر عمر بن الخطاب في الجاهلية؛ لأنها كانت مستطرقاً لأهل الحجاز”.
- وابن حوقل المتوفى بعد عام 367هـ – 977م. قال: “بلدة متوسطة في العظم، ذات بساتين على ساحل البحر، وبها قليل نخيل وكروم خصبة. بينها وبين البحر أكوام رمال تلي بساتينها ولها قلعة صغيرة”.
- وأما المقدسي المتوفى في نحو عام 380هـ – 990م، فقد ذكر أنها “كبيرة، على جادة مصر وطرف البادية وقرب البحر. بها جامع حسن وفيها أثرى عمر بن الخطاب”. وعن مينائها قال: ميماس، على البحر حصينة، صغيرة تُنسب إلى غزة”.